ذات يوم أطلقت صافرة القطار مؤذنة بموعد الرحيل .. صعد كل الركاب إلى القطار فيما عدا شيخ وقور وصل متأخرا .. لكن من حسن حظه أن القطار لم يفته .. صعد ذلك الشيخ الوقور إلى القطار فوجد أن الركاب قد استحوذوا على كل عربات القطار ..
توجه إلى العربة الأولى ...
فوجد فيها أطفالا صغارا يلعبون و يعبثون مع بعضهم .. فأقرأهم السلام .. وتهللوا لرؤية ذلك الوجه الذي يشع نورا وذلك الشيب الذي أدخل إلى نفوسهم الهيبة والوقار له .. أهلا أيها الشيخ الوقور سعدنا برؤيتك .. فسألهم إن كانوا يسمحون له بالجلوس ؟؟ ..
فأجابوه : مثلك نحمله على رؤوسنا .. ولكن !!! ولكن نحن أطفال صغار في عمر الزهور نلعب ونمرح مع بعضنا لذا فإننا نخشى ألا تجد راحتك معنا ونسبب لك إزعاجا .. كما أن وجودك معنا قد يقيد حريتنا .. ولكن إذهب إلى العربة التي بعدنا فالكل يود استقبالك ...
توجه الشيخ الوقور إلى العربة الثانية ..
فوجد فيها ثلاثة شباب يظهر انهم في آخر المرحلة الثانوية .. معهم آلات حاسبة ومثلثات .. وهم في غاية الإنشغال بحل المعادلات الحسابية والتناقش في النظريات الفيزيائية .. فأقرأهم السلام .... ليتكم رأيتم وجوههم المتهللة والفرحة برؤية ذلك الشيخ الوقور .. رحبوا به وأبدوا سعادتهم برؤيته .. أهلا بالشيخ الوقور .. هكذا قالوها .. فسألهم إن كانوا يسمحون له بالجلوس ..!!!
فأجابوه لنا كل الشرف بمشاركتك لنا في مقصورتنا ولكن !!! ولكن كما ترى نحن مشغولون بالمثلثات الهندسية .. ويغلبنا الحماس أحيانا فترتفع أصواتنا .. ونخشى أن نزعجك أو ألا ترتاح معنا .. ونخشى أن وجودك معنا يجعلنا نشعر بعدم الراحة في هذه الفرصة التي نغتنمها إستعدادا لإمتحانات نهاية العام .. ولكن توجه إلى العربة التي تلينا .. فكل من يرى وجهك الوضاء يتوق لنيل شرف جلوسك معه ...
توجه الشيخ الوقور إلى العربة التي بعدها ..
فوجد شخصين في آوخر الثلاثينيات من عمرهما .. معهما خرائط أراضي ومشاريع .. ويتبادلان وجهات النظر حول خططهم المستقبلية لتوسيع تجارتهما .. وأسعار البورصة والأسهم ..
فأقرأهما السلام ... فتهللا لرؤيته وردّا عليه .. وعليك السلام ورحمة الله وبركاته أيها الشيخ الوقور .. أهلا وسهلا بك يا شيخنا الفاضل .. فسألهما إن كانا يسمحان له بالجلوس ؟؟؟ فقالا له : لنا كل الشرف في مشاركتك لنا عربتنا... بل أننا محظوظون حقا برؤية وجهك الو ضاء .. ولكن !!!! " يالها من كلمة مدمرة تنسف كل ما قبلها " .. كما ترى نحن بداية تجارتنا وفكرنا مشغول بالتجارة والمال وسبل تحقيق ما نحلم به من مشاريع .. حديثنا كله عن التجارة والمال .. ونخشى أن نزعجك أو ألا تشعر معنا بالراحة .. اذهبإلى العربة التي تلينا فكل ركاب القطار يتمنون مجالستك ..
وهكذا حتى وصل الشيخ إلى آخر مقصورة ..
وجد فيها عائلة مكونة من أب وأم وابنائهم .. لم يكن في الالعربة أي مكان شاغر للجلوس ..
قال لهم : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. فردوا عليه السلام .. ورحبوا به ... أهلا أيها الشيخ الوقور ..
وقبل أن يسألهم السماح له بالجلوس .. طلبوا منه أن يتكرم عليهم ويشاركهم مقاعدهم. .. فأفسح الأب وأبناؤه مكانا له .. حمد الله ذلك الشيخ الوقور .. وجلس على الكرسي بعد ما عاناه من كثرة السير في القطار ..
توقف القطار في إحدى المحطات ...
وصعد إليه بائع الأطعمة الجاهزة .. فناداه الشيخ وطلب منه أن يعطي كل أفراد العائلة الذين سمحوا له بالجلوس معهم كل ما يشتهون من أكل .. .. أخذت العائلة كل ما تشتهي من الطعام .. وسط نظرات ركاب القطار الذين كانوا يتحسرون على عدم قبولهم جلوس ذلك الشيخ معهم ...
صعد بائع العصير إلى القطار .. فناداه الشيخ الوقور .. وطلب منه أن يعطي أفراد العائلة ما يريدون من العصائر على حسابه . بدأت نظرات ركاب القطار تحيط بهم .. وبدأوا يتحسرون على تفريطهم .. الجلوس معهم
صعد بائع الصحف والمجلات إلى القطار .. فناداه الشيخ الوقور وسلّم لكلّ أفراد العالة جميع أنواع الصحف والمجلات التي بحوزة البائع على حسابه ... فازدادت نظرات الحسرة على وجوه كل الركاب ...
توقف القطار في المدينة المنشودة ..
واندهش كل الركاب للحشود العسكرية والورود والاحتفالات التي زينت محطة الوصول .. ولم يلبثوا حتى صعد ضابط عسكري ذو رتبة عالية جدا .. وطلب من الجميع البقاء في أماكنهم حتى ينزل ضيف الملك من القطار .. لأن الملك بنفسه جاء لاستقباله .. ولم يكن ضيف الملك إلا ذلك الشيخ الوقور .. وعندما طلب منه النزول رفض أن ينزل إلا بصحبة العائلة التي استضافته وان يكرمها الملك .. فوافق الملك واستضافهم في الجناح الملكي لمدة ثلاثة أيام أغدق فيها عليهم من الهبات والعطايا .. وتمتعوا بمناظر القصر المنيف .. وحدائقه الفسيحة ..